تخرّج بلا شراكة: الأكاديمية البحرية.. بين العروض العسكرية والغياب المدني/ البو بكار

في مشهد احتفالي طغى عليه الطابع العسكري، نظّمت الأكاديمية البحرية مؤخرًا حفل تخرج دفعات متعددة من مؤسساتها التكوينية، بإشراف معالي وزير الدفاع وشؤون المتقاعدين وأولاد الشهداء، وحضور الفريق قائد الأركان العامة للجيوش وعدد من كبار ضباط البحرية. التخرج شمل إحدى عشرة دفعة وتخصصًا، ورافقته خطب رسمية واستعراضات ميدانية، عكست ما تبذله المؤسسة من جهد في التكوين العسكري والمهني.

 

لكن، ورغم أهمية الحدث، غاب الحاضر الأهم: الشق المدني، ممثلاً في وزارة الصيد والبنى البحرية و الميناءية ، والاتحاديات المهنية التي تمثل القطاع الخاص المعني مباشرة بمخرجات هذا التكوين. غيابٌ يطرح تساؤلات جادة حول طبيعة العلاقة بين الأكاديمية وشركائها المدنيين، ومدى إدماج هؤلاء في العملية التكوينية التي يُفترض أن تُعدّ الكوادر لتلبية حاجات سوق العمل البحري، لا فقط لرفع الأعلام في حفلات التخرج.

 

ولم يكن هذا الغياب عابرًا، بل يعكس اختلالًا متكرّرًا في تمثيل الشراكة الحقيقية بين المؤسستين: فعندما يتعلق الأمر بالدعم، أو التنسيق مع الشركاء الدوليين مثل المنظمة البحرية الدولية (IMO)، تُقدَّم الأكاديمية كذراع مهني تابع لوزارة الصيد، بل ويُشارك ممثلوها في تلك الفعاليات بزي مدني يصعب التمييز فيه بين أطرهم وأطر الوزارة. أما عند التخرج، فيتحول الفضاء الأكاديمي إلى ثكنة مغلقة، لا موطئ فيها لمدني… ولو كان الشريك الاستراتيجي، أو حتى “البقرة الحلوب”، كما يحلو للبعض أن يصف القطاع الخاص.

 

إن هذا الأسلوب، الذي يمكن وصفه بـ”الانتقائي”، لا يليق بمؤسسة وطنية يفترض أن تكون نموذجًا في التكامل بين البعدين المدني والعسكري، ولا يخدم الأهداف الاستراتيجية للدولة في بناء اقتصاد أزرق مستدام. فالتكوين لا يُقاس بالاستعراضات ولا بحجم الدفعات، بل بمدى قدرة هذه الكوادر على الانخراط الفعلي في سوق العمل، وسد النقص الكبير في الطواقم الوطنية، الذي ما زال يؤرق القطاع البحري بمختلف مكوناته.

 

كان من الأجدر أن يُتوَّج هذا التخرج بخطة إدماج واضحة، وآلية متابعة حقيقية للخريجين، تشارك فيها وزارة الصيد والاتحاديات المهنية، من خلال خلية تقييم ومتابعة تكون معنية برصد جودة التكوين ومدى مطابقته لاحتياجات الواقع البحري، وإبداء الملاحظات الفنية، والمساهمة في ضبط المناهج والتخصصات.

 

كما أنه من غير المقبول أن تُنظم حفلات تخرج من الأكاديمية دون حضور وزير الصيد كشريك استراتيجي، أو دون إشراك الهيئات المهنية المعنية التي يُفترض أن تكون أول المستفيدين من هذه الموارد البشرية.

 

إن بناء قطاع بحري قوي ومتكامل يتطلب شراكة فعلية لا شكلية، وتعاونًا مؤسسيًا لا بروتوكوليًا، وتوازنا في الأدوار بين جميع المكونات. أما الإقصاء، أو الاكتفاء بدور الجهة المموّلة دون إشراك حقيقي في المتابعة والتخطيط، فهو نموذج ولى زمنه ويجب تجاوزه إذا أردنا فعلاً إصلاحًا حقيقيًا ومردودية مستدامة لهذا الاستثمار البشري

 

الأكثر مشاهدة