شكل إعلان الرئاسة أمس الخميس عن تعيين الوزير المختار بوسيف على رأس قطاع الصيد بداية جديدة للرجل في واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في موريتانيا، وأكثرها عدم استقرار على الأقل في السنوات الأخيرة (6 وزراء في 6 سنوات).
ولد بوسيف الذي يدخل عقده الخامس، وتظهر سيرته الذاتية أنه أدار أحد أبرز مؤسسات الصيد وأكثرها أهمية (الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك والشركة الوطنية لتوزيع الأسماك)،وترك بصمات إيجابية فيها بات اليوم على هرم القطاع ومسيرا للثروة بموريتانيا.
بحسب العارفين بالصيد فإنه يعتبر من أكثر القطاعات تعقيدا وتشابكا في تسيير الثروة ، وتداخلا للمصالح وتواجدا للمستثمرين الأجانب والموريتانيين على حد سواء مما يفرض إرساء سياسات توزان بين المصلحة العامة وفرض تطبيق القوانين بشكل صارم.
يراهن كثيرون على تجربة الوزير الجديد في العبور بالقطاع إلى الأمام،وفي الاستفادة من تجارب زميله السابق الفضيل سيداتي الذي ترك بصمات إيجابية خصوصا في الناحية الاجتماعية للقطاع الذي يعد أحد ركائز الاقتصاد الوطني.
وبالرغم من أن الوزير السابق الفضيل سيداتي أعد تشاورا أفضى إلى الشروع في رسم ملامح استراتجية جديدة للقطاع قبل أن يتم تحييده عن القطاع لم يعرف هل سيبدأ الوزير في تتبع مسار زميله من حيث انتهى أم أنه سيبدأ من جديد على غرار رفاقه السابقين في القطاع.
ترتيب الأولويات؛ أول اختبار للوزير
يُجمع العارفون بقطاع الصّيد على أن القطاع ليس بخير، وأنه قد آن أوان للاصلاح، تلك هي خلاصة كلّ اللقاءات والأيام التشاورية التي جمعت الفاعلين في المجال، فموريتانيا التي توصف شواطئها بأنها واحدة من بين الشواطئ العالمية الأغنى بالأسماك،تعيش اليوم ندرة شديدة في السمك، كما أن الضّغط على الموارد السمكية في تزايد
خصوصا أسماك السطح الصغيرة، بلغ مداه، في ظل تراجع مساهمة قطاع الصيد في الاقتصاد الوطني، ضف لذلك تعثُر التّكوين البحري الذي لم يستطع بعد أن يشكل–حتى الآن- بديلا للأجانب، هذا بالإضافة لمشاكل الرقابة على الثروة السّمكية واختلالاتها العديدة، وكذا ضعف وسائل البحث العلمية.
توفير السمك على المائدة الموريتانية
موريتانيا بلد الثروة السّمكية والأساطيل الأجنبية تعيش على وقع ندرة وغلاء كبيرين في الأسماك، وهو ما يتطلب قرارات ناجزة من الوزير الجديد من أجل توفير السّمك بأسعار معقولة للمواطن الموريتاني، ومن المفارقات في هذا المجال؛ أن أسعار السمك المُصطاد في الشواطئ الموريتانية أرخص في بعض الدّول المُجاورة منها في موريتانيا! وأن أسعار بعض الأنواع السّمكية الجيدة، الموجهة للخارج،
كما هو معروض عند الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك أخفض بالكثير منها في أسواق السمك الموريتانية! هذا إن وجدت أصلا، إن سؤال توفير السمك هو أول الأسئلة التي ينبغي أن يجيب عليها الوزير ويجد لها حلولا مستدامة تضمن توفير مادة السمك الصالحة للاستهلاك البشري بشكل مستدام،وهو إنجاز إن تحقّق سيعطي جرعة أمل لقطاع واسع من المواطنين المحرومين من خيرات بحرهم المعطاء منذ سنوات عديدة.
التسيير المتعثر؛ الحاجة إلى دماء جديدة
يحتاج أي وزير جديد أن يختار طاقمه بعناية شديدة وأن يصحّح اختلالات التسيير والإدارة المتراكمة في قطاعه منذ سنوات، وهو ملف من شقين؛ شق يحتاج وقتا، كمراجعة السياسات والاستراتيجيات التي حكمت القطاع وأدّى بعضها إلى فشل كبير، فاستراتيجيات الصيد 2015-2019 و 2020-2024 والتي نقلت إدارة الثروة من نظام جهد الصيد إلى حصص الصيد، لم تثمر النتائج المتوقعة، فرغم أن نظام تسيير الثروة من خلال تحديد الحصص السنوية هو النظام الأقرب للتسيير المستدام للثروة على أساس علمي والمتبع في الكثير من الدول المتقدمة المنتجة للأسماك، إلاّ أنه في موريتانيا لم تُهيأ له الأرضية الصالحة، ولم تتم مواكبته فنيا ورقابيا وعلميا مما أدى إلى نتائج غير مشجّعة، ولعل قطاع الصيد من أكثر القطاعات التي مرّت بها عديد السياسيات والقوانين المنظمة، هذا بالإضافة إلى عشرات الورشات والملتقيات التي أنتجت العديد من المقترحات والتوصيات الجيدة، غير أن التطبيق والمتابعة يتخلّفان دائما عن جودة تلك المخرجات، مما أدى إلى يأس عام من هذه اللقاءات وزهد في إصدار التّوصيات، ولا شك أن الوزير الذي واكب استراتيجيات الصيد وسياساته وشارك في إعداد بعضها، يمتلك الأساس النظري لوضع سياسات واستراتيجيات تضمن استغلال الثروة بشكل مستدام بيولوجيا ومنتج اقتصاديا واجتماعيا.
أما الشق الآخر الذي لا يحتاج وقتا طويلا؛ فيتعلق بالهيكلة المناسبة للوزارة، وبرجال الوزير الذين سيُسيّر بهم القطاع، إذ تحتاج وزارة الصّيد إلى هيكلة جديدة تلبّي حاجة القطاع والتطورات الكبيرة التي شهدها في السنوات الأخيرة، وكذا اختيار الكفاءات المشهود لها بالنزاهة للمواقع المهمة، فتلك هي أدوات الوزير التي سيعمل بها ويحقق بها سياسته.
ومهما يكن فإن الرهان معقود على الوزير الشاب في أن يتمكن من فك شفرات القطاع،وحلحلة بعض الملفات العالقة بالرغم من أن المهمة تبدو صعبة للغاية خصوصا إذا وجد بطاقة تأشرة من الرئيس في تطبيق القوانين.